كان في قديم الزمان صياد مسكين يعيش في كوخ صغير على شاطئ البحر..
وكان كل يوم يدخل البحر بزورقه الصغير لصيد السمك..
فكان في مرات يصطاد سمكا وفي مرات أخرى لا يصطاد شيئا..
وكانت مشكلته هي أنه كان تعيسا، فقد كان لا يشعر بالسعادة..
وكان يريد أن يصبح سعيدا..
* * *
وذات مرة، وبينما هو بين الأمواج بقاربه الصغير،
رأى شيئا يتحرك في البحر البعيد..
فأخذ يجدف ويجدف.. حتى وصل إلى ذلك الكائن،،
فوجدها حوية البحر!!
فأخذ يتعجب، لكنها قالت له: لماذا تتعجب أيها الصياد الفقير؟
قال: لقد كنت أظن أن حورية البحر موجودة فقط في قصص الخيال،،
فقالت: بل أنا موجودة في الواقع، وأستطيع أن أحقق لك الأمنية التي تريد،
فاطلب ما تريد!
قال: أنا أطلب السعادة! أنا أريد أن أصبح سعيدا،،
قالت له: اذهب إلى كوخك الآن، وستجد السعادة، فقد حققت لك أمنيتك!
* * *
عاد الصياد بسرعة إلى كوخه، لكي يجد السعادة التي وعدته بها حورية البحر،
لكن لما وصل إلى الكوخ، وجد فتاة جميلة تجلس على عتبة الباب،،
فشعر الصياد بالخيبة، وقال لنفسه: كنت أظن أنني سأجد الأموال والكنوز!!
ورضخ للأمر الواقع، ورأى أن عليه أن يتزوج من تلك الفتاة، وذلك ما كان..
وأصبح عندما يخرج إلى الصيد، تخرج الفتاة غلى الغابة المجاورة وتجمع الأعشاب البرية،
وتقضي يومها في نسج شباك الصيد،
وعندما يحضر متعبا في المساء، تصنع له السمك المطعم بالأعشاب البرية التي تجمعها من الغابة،
وعند النوم، تقص عليه زوجته حكايات أمير البحار وقصوره العجيبة، ومملكته العظيمة تحت مياه البحر،
وذلك حتى يأخذه النوم،
وفي الصباح عندما يريد الخروج للصيد، تعطيه شباك الصيد الجديدة التي صنعتها من أجله،،
كما أنها جعلت الكوخ جميلا وأنيقا..
* * *
لكن الصياد لم تعجبه هذه الحياة، لأن السعادة بالنسبة إليه هي الأموال والكنوز،،
لكنه كان مغرما بقصص أمير البحار ومملكته العجيبة داخل البحر،،
وازداد إعجابه وتحمسه لتلك الأقاصيص يوما بعد يوم،
وذات صباح، قال لزوجته:
لقد أرسلتك إلي الحورية العجيبة التي تحقق الأمنيات، فأنت إذن قادمة من شاطئ الغيب،
وهذا يعني أن قصص أمير البحار حقيقة، وأنا أريدك ان تدليني على الطريق إلى مملكة أمير البحار!
فأخذت زوجته تبكي وقالت له: أنا لا أعرف أية حورية ولم ترسلني إليك أية حورية،
أما قصص أمير البحار التي أقصها عليك فهي من خيالي فقط! لكي تنام وتشعر بالسعادة!
فصاح بها الصياد غاضبا: بل أنت تكذبين! وأنا سأذهب للبحث عن مملكة أمير البحار!
* * *
وركب الصياد زورقه، وأخذ يجدف في البحر،، يجدف ويجدف ويجدف،،
حتى وصل إلى مكان حورية البحر العجيبة،
فوجدها تنتظره، فقال لها: أين هي السعادة التي وعدتني بها أيها الحورية.؟
قالت: اذهب إلى بيتك الجديد واستمتع بحياتك مع أسرتك، فزوجتك الآن حامل، وقريبا سيكون لك ولد!
قال لها: بل أنا ذاهب الآن للبحث عن قصر أمير البحار!
فقالت له الحورية: إنك تريد أن تحطم حياتك وتظلم نفسك، نصيحتي لك أن تعود إلى بيتك!
فقال لها: أنت حورية لا تعرف شيئا، وأنا أعرف طريقي جيدا، وأنا ذاهب الآن للبحث عن قصر أمير البحار،
ولن أتراجع عن هذا الأمر، ولن أعود حتى أشاهد قصور أمير البحار!
ولو كان هذا آخر عمل أقوم به في حياتي!!
واستمر في التجديف والتجديف داخل البحر الكبير..
* * *
وفي الكوخ، كانت زوجته كل يوم تصنع له شباك الصيد، وتطبخ له السمك المطعم بالأعشاب البرية،
وتنتظر عودته على الشاطئ، وعندما كان لا يعود، كان ترمي شباك الصيد لطيور الغابة لتبني بها أعشاشها،
وكان ترمي السمك المطعم بالأعشاب البرية للثعابين الموجودة في الغابة،،
وأنجبت ولدا، وأصبحت تطوف به في شاطئ البحر وهي تنتظر عودة زوجها، وهي تحمل الوليد بين ذراعيها،،
وشاب رأسها من كثرة السهر والتفكير وألم الفراق والتشتت الذي يعتصر قلبها،،
* * *
أما الصياد، فقد تاه طويلا في عرض البحار بزورقه الصغير، وشاهد الموت بأم عينيه،،
حتى وصل إلى مملكة أمير البحار،
فأخذ يسير بزورقه وسط القصور الذهبية العملاقة، والأبراج الأسطورية، والقباب الماسية،
وكانت أمامه صفوف الحراس من العمالقة، منهم خفافيش عملاقة، وحيوانات متوحشة عملاقة،
كلها تمسك الحراب الذهبية وتحرس المملكة العظيمة..
وألقى أولئك الحراس القبض بسهولة على الصياد، ووضعوه في السجن، في انتظار حكم أمير البحار،،
وقرر أمير البحار الحكم عليه بالإعدام، لأنه من الممنوع على أي بشر الوصول إلى مملكة أمير البحار!!
* * *
وفي تلك اللحظات العصيبة من حياة الصياد، ظهرت طيور عملاقة، وثعابين عملاقة، وهاجمت السجن،
وأخذت تدافع عليه وتتصارع مع الحراس من أجله، لكي تقوم بتخليصه من الاعتقال، وإرجاعه إلى الشاطئ،،
وكانت تلك الطيور هي الطيور التي كانت زوجته ترمي لها شباك الصيد كل يوم لتبني بها أعشاشها،،
وكانت تلك الثعابين العملاقة هي الثعابين التي كانت زوجته تلقي لها كل يوم السمك المطعم بالأعشاب البرية لتأكله في الغابة،،
ورأى الصياد مشهدا لا ينسى، فقد كان أحد الطيور العملاقة قادما من الأفق وهو يحمل على ظهره زوجته وبين يديها ابنه!
وتمكنت الطيور والثعابين من الانتصار على حراس أمير البحار، وتخليص الصياد من قبضتهم،
وركب الصياد على ظهر ذلك الطائر الذي يحمل زوجته وابنه، وحلق بهم في سماء حمراء،
وعاد بهم نحو الشاطئ بأمان،،
* * *
وندم الصياد ندما شديدا على ما فعل،
وأصبح يشعر بسعادة كبيرة في كوخه الجميل مع زوجته وطفله الصغير.